التحفت السواد
- Othmane El jadid
- 4 يونيو
- 2 دقيقة قراءة
جلست على حافة الكرسي العمومي، السواد غطى
جسدها، انسدل ليل حالك على شفتيها...عرفت الوقار في السواد.
غطى السواد جمال شفتيها التي عرفت طريقهما وأنا شبل لا أعرف عن الحب
شيئا، ارتشفت من نهارها قبل ان ينسدل ليل الورع واشتممت زهور شبابها
قبل أن يأخذ الزمن بأيدينا نحو الصمت المميت. جلست على الحافة خشية
نظر الناس لما تبقى من وجهها، وهي تعد المارة كعادتها فللناس عادات مهما
غيرهم الزمن لن يكفوا عنها وإن هددوا بالسيف.
تالله لم تتغير طريقة تحرك أعينها بين الرائح والعائد، تلك الأعين التي
احتجزتني رهينة لسنوات واتهمتني بخيانة دولة بنيتها وأنا عاري الظهر
حافي القدمين. كادت تلك العيون المخبئة وراء سدل الوقار أن تكون بيتي
ولكن الزمن اختار لها أن تكون النقطة التي تذكرني بأنني لست نفس الشخص
بعد ما حصل.
شاءت الاقدار ان أراها وراء ستار، وشاءت الأقدار ألا تراني. لا شك ان
عيوني أبت أن ترى لضعف بصري ولكن بصيرتي أبت أن تنطفئ. لقد لمحتها
بين المارة، بعد سنوات وعلى بعد كيلومترات، فهل هي صدفة؟
إن كانت فأنني ألعن كل صدفة وضعتنا في نفس المكان! وإن كانت قدرا فقد
قدر أن أتذكر أنني لست إلا متشرد يرتحل منذ رحيلها.
كانت على حق حين لعنتني وقالت أنني لن أجد لي مأوى وسأبقى المتسكع
الملعون. كنت قد لعنت نفسي قبل لعنها لي، لعنتي الحياة حين وضعتني جلاد
نفسي.
رؤيتها جعلت أسئلة غارت داخل أفكاري السوداوية و تفكيري المتعب، ألنا
مستقبل مزين بورود من التسامح؟ هل لنا درب يصل بين قلوبنا بعد المسافات
و الطرق؟ هل انسدل ليلها ليعمي بصيرتي؟ أم أن بصيرتي راحت كما
راحت عفتها و خبأت نذالتها وراء نقاب وجهها؟ هل لها أن تجد بلادا جديدة
وأبقى أنا الدخيل في كل بلاد؟ هل لها ان تصير الملاك و أموت أنا بين
أشواك الشياطين؟
تعالت آمال روحي، يمكن لو أنني كنت دمعة في دربها لكنت دمعة غير
منسية، أو يمكن لو كان كلاما عالقا بين شفتيها لتخبرني به ها قد حان وقت
سماعي، يمكن للطريق ان يوصلنا كما لاقتنا الصدف.
لكنها لم تزح عينيها من الأفق لتنظر ناحيتي، وما هي إلا لحظات حتى أتى
ابن السنتين يجري ويعانق أمه المنقبة. علمت انني كمن زار القدس وهي
محتلة، أو من زار منزله بإدلب، فمهما غمرت الذكريات عيناي الذابلتين
وثقلتا بالدموع، فما من مستقبل هنا، فقط دماء ودموع، فقط لا شيء.
اندثر كل شيء ولم يبقى دمع سوى دموعي، ولم تنزف إلا لابن السنتين، لم
يتبق الى ذكريات ممحية، ذكريات جسر انهار و انعدمت امال بناءه.
مفيش امل يا فيروز...



تعليقات