top of page

قصة غلطة : الجزء الثالث

  • صورة الكاتب: Othmane El jadid
    Othmane El jadid
  • 4 يونيو
  • 4 دقيقة قراءة

‎لا زالت في الحانة، الكأس الأخير باردٌ بين يديها،

‎السيجارة انطفأت منذ دقائق، لكنها لم ترمِها.

‎جلست على نفس الكرسي، كأنها تخشى أن تنهض

‎فحين تنهض، تبدأ الهزيمة.

‎الساعة تقترب من السادسة صباحًا,

‎والحانة بدأت تفرغ من ضجيجها،

‎كأن الليل يلفظ آخر أنفاسه،

‎وكأن الأرواح التائهة تبحث عن مأوى، مؤقت… أو دائم.

‎قامت متثاقلة،

‎الدوار يراودها، النوم يغازل جفنيها،

‎لكنها تعرف أن النوم ليس ملاذها،

‎بل سجن جديد في عقلها.


‎خرجت من الحانة،

‎استقبلتها شوارع الدار البيضاء برائحتها الخاصة…

‎مزيج من البنزين، واليأس.


‎تمشي وسط الأزقة،

‎صوت خطواتها يرافقها كما لو أنه يواسيها،

‎والحياة تبدأ من جديد على الرصيف الآخر،

‎لكنها… ما زالت عالقة في ليلها.

‎لا زالت في الحانة، الكأس الأخير باردٌ بين يديها،

‎السيجارة انطفأت منذ دقائق، لكنها لم ترمِها.

‎جلست على نفس الكرسي، كأنها تخشى أن تنهض

‎فحين تنهض، تبدأ الهزيمة.

‎الساعة تقترب من السادسة صباحًا,

‎والحانة بدأت تفرغ من ضجيجها،

‎كأن الليل يلفظ آخر أنفاسه،

‎وكأن الأرواح التائهة تبحث عن مأوى، مؤقت… أو دائم.

‎قامت متثاقلة،

‎الدوار يراودها، النوم يغازل جفنيها،

‎لكنها تعرف أن النوم ليس ملاذها،

‎بل سجن جديد في عقلها.


‎خرجت من الحانة،

‎استقبلتها شوارع الدار البيضاء برائحتها الخاصة…

‎مزيج من البنزين، واليأس.


‎تمشي وسط الأزقة،

‎صوت خطواتها يرافقها كما لو أنه يواسيها،

‎والحياة تبدأ من جديد على الرصيف الآخر،

‎لكنها… ما زالت عالقة في ليلها.


قدماها تجرّان بعضها، وثقل الليل على كتفيها،

والشوارع الصامتة تتنفس تعبها.

المدينة غافية، لكن الإنارة الصفراء تفضح حزن العائدين وحدهم.


كانت شوارع الدار البيضاء في تلك الساعة تبدو وكأنها تشفق عليها،

الكلاب الضالة تنبح على ظلّها،

رجل نائم على الرصيف يشخر بأحلامٍ محطّمة،

وعينيها تجولان بين الوجوه، تبحث عن شيء…

شيء يشبهها،

شيء يبرر أنها لم تمت بعد.

في الزقاق الضيّق قبل الوصول إلى الحي الشعبي،

لمحت طفلة تمسك بيد أمّها، نائمة وهي واقفة.

تذكّرت نفسها،

تذكّرت كيف كانت تنام واقفة في الحافلة، في الصباح الباكر نحو الثانوية،

والكتب بين يديها كأنها دروع وهمية ضد هذا العالم القاسي.


الشارع الذي لطالما خافت منه…

صار الآن رفيقها،

يمشي بجانبها ويسألها:

"ألن تنامي الليلة؟"

فترد هامسة:

"النوم للذين لا يحملون أشياءً ثقيلة في صدورهم."


وصلت إلى شقتها الصغيرة بصعوبة.

أشعلت سيجارة أخيرة،

وخلعت حذاءها كما لو أنها تخلع خطيئة،

وجلست على الأرض…

السرير صار بعيداً، النوم صار خيانة.


في قلب الليل، وسط الدخان المتصاعد والستائر المغلقة،

سمعت صوتًا في ذاكرتها،

صوت ضحكة شاب كان يسرق النوم من عينيها قديماً…

نعم، تذكّرته.

تذكّرت كل شيء.

لم يكن منبّهًا، بل كان إعلانًا شعبيًا لبداية يوم جديد في القرية،

وبين صرير الباب الخشبي القديم، وصوت أمّها وهي تدعوها للقيام،

فتحت عينيها على سقف من خشب متآكل،

وكان الضوء الباهت يتسلّل من النافذة الصغيرة ذات الزجاج المتشقق،

يمسح وجهها بلمسة خجولة، كأنه يقبّلها قبل أن تنهض إلى عالمها.


جلست في سريرها النحيل المصنوع من الحديد البارد،

غطّت قدميها بالبطانية الصوفية التي ورثتها عن

خالتها،

غطاؤها المهترئ لم يعد يقيها البرد،

لكنها اعتادت أن تسحب دفء أحلامها بدلاً منه.

وشعرت ببرد الصباح يتسلل إلى عظامها،

لكن شيئًا ما في صدرها كان دافئًا،

ربما هو حلمٌ رأته ليلة أمس، أو كلمة كتبتها في دفترها السري عن "الغد".

نهضت بهدوء كي لا توقظ إخوتها،

توضأت بماء بارد،

غسلت وجهها في الحوض الحديدي خارج الغرفة،

تنفّست الهواء المبلّل بالندى،

ووقفت لبرهة تنظر إلى السماء الرمادية،

كأنها تسألها:

"هل سيكون هذا اليوم مختلفًا؟ هل سيحدث شيء يستحق أن يُكتب؟"

تأملت وجهها في المرآة المكسورة

‎المعلقة فوق المغسلة

‎رأت عيونًا تلمع بشيء ما، شيء يشبه الأمل أو الفضول.


‎كانت تلك بداية يومها،

‎روتينها البسيط،

‎لكنها كانت تحب تلك اللحظات الأولى قبل أن يستيقظ الجميع،

‎لحظات الانتماء الصامت بينها وبين الكون.


‎لبست وزرتها البيضاء المكوية بعناية،

‎مشطت شعرها بسرعة وربطته كما كانت أمها تفعل حين كانت صغيرة،

‎ثم تناولت قطعة خبز باردة غمستها في زيت الزيتون،

‎وأخذت كيس كتبها على ظهرها.

‎كان ثقيلاً، لكنه لم يثقل خطواتها…

‎بل كان يرفعها كأنها تطير نحو شيء لم تعرفه بعد.


‎خرجت من البيت والهواء البارد يعانق وجهها،

‎مرّت من بين الحقول النائمة،

‎الندى يبلل حذاءها، والطريق ممتدة أمامها كأملٍ بريء.

‎كانت تمشي وحيدة،

‎لكن في صدرها ضجيج…

‎ضجيج الأغاني التي تحفظها عن ظهر قلب،

‎وأصوات البنات في المدرسة وهن يحكين عن مدنٍ لم ترها بعد.


‎في تلك المسافة الطويلة نحو الثانوية،

‎كانت تحلم،

‎تحلم بكل شيء…

‎أن تكبر، أن تصبح شيئًا، أن تحب، أن تُحَب.

‎كانت تؤمن أن المدينة تخبئ لها شيئًا مختلفًا،

‎أن هناك من سيأتي يومًا ويراها كما هي،

‎كما لم يرها أحد.

‎وصلت إلى باب الثانوية بعد ساعة من المشي،

‎وجبينها يتصبب عرقًا رغم البرد.

‎سلمت على البواب بخجل،

‎ودخلت القسم الذي كان مزدحمًا بالصخب والأحاديث.


‎جلست في مكانها قرب النافذة،

‎وأخرجت دفترها…

‎لكنها لم تستطع التركيز.

‎هناك، في الزاوية المقابلة،

‎جلس هو.


‎كان أول يوم تراه فيه،

‎شعره منكوش بطريقة غير مهندسة لكنها ساحرة،

‎وعيناه كأنهما تعرفان شيئًا لا يعرفه الباقون.

‎لم يكن وسيماً بالمعنى التقليدي،

‎لكنه كان يملك شيئًا يجعل القلب يضطرب.


‎كانت تحاول أن لا تحدق به،

‎لكنها فشلت.


‎في أول استراحة،

‎كان يقرأ رواية قديمة فقدت غلافها.

‎اقتربت منه لتسأل عن اسمها،

‎لكنه ابتسم وقال:

‎"إنها لا تحتاج اسماً… القصص الحقيقية لا تُعنون."


‎ضرب قلبها بقوة،

‎وشعرت بوجنتيها تحترقان.


‎عاد كل شيء بعد تلك اللحظة مختلفًا،

‎صوت الجرس، صدى الأساتذة، رائحة القسم،

‎حتى اسمها حين ينادونها، صار يبدو أجمل.


‎لم تكن تعرف بعد،

‎أن تلك النظرة، تلك الكلمات القليلة،

‎ستحفر في ذاكرتها للأبد.

‎ستكبر معها، تؤلمها،

‎وتعيدها دومًا إلى ذلك الصباح،

‎حين استيقظت فتاة…

‎وغفت مساءً امرأة مجروحة.

تعليقات


bottom of page